فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن خواصها: أنها أول امرأة آمنت بالله ورسوله من هذه الأمة.
فصل:
فلمَّا توفاها الله تزوج بعدها سودة بنت زمعة، رضي الله عنها، وهي سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن جبل بن عامر بن لؤي، وكبرت عنده، وأراد طلاقها فوهبت يومها لعائشة، فأمسكها. وهذا من خواصها: أنها آثرت بيومها حب النبي صلى الله عليه وسلم تقربًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحبا له، وإيثارا لمقامها معه، فكان يقسم لعائشة يومها ويوم سودة، ويقسم لنسائه، ولا يقسم لها وهي راضية بذلك مؤثرة، لترضي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتزوج الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر، رضي الله عنهما، وهي بنت ست سنين قبل الهجرة بسنتين، وقيل: بثلاث، وبنى بها بالمدينة أول مقدمه في السنة الأولى، وهي بنت تسع، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة، وتوفيت بالمدينة، ودفنت بالبقيع، وأوصت أن يصلي عليها أبو هريرة سنة ثمان وخمسين، ومن خصائصها: أنها كانت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، كما ثبت ذلك عنه في البخاري وغيره، أنه سئل أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة». قيل: فمن الرجال؟ قال: «أبوها».
ومن خصائصها أيضا: أنه لم يتزوج بكرا غيرها، ومن خصائصها: أنه كان ينزل عليه الوحي وهو في لحافها دون غيرها.
ومن خصائصها: أن الله، عز وجل، لما أنزل عليه آية التخيير بدأ بها فخيرها، فقال: «ولا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك». فقالت: أفي هذا أستأمر أبويَّ، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. فاستن بها بقية أزواجه صلى الله عليه وسلم، وقلن كما قالت.
ومن خصائصها: أن الله، سبحانه، برأها مما رماها به أهل الإفك، وأنزل في عذرها، وبراءتها، وحيا يتلى في محاريب المسلمين، وصلواتهم إلى يوم القيامة، وشهد لها أنها من الطيبات، ووعدها المغفرة والرزق الكريم، وأخبر سبحانه، أن ما قيل فيها من الإفك كان خيرًا لها، ولم يكن بذلك الذي قيل فيها شر لها، ولا عيب لها، ولا خافض من شأنها، بل رفعها الله بذلك، وأعلى قدرها وعظم شأنها، وأصار لها ذكرًا بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء، فيا لها من منقبة ما أجلها. وتأمل هذا التشريف والإكرام الناشئ عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها، حيث قالت: ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بوحي يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يبرئني الله بها، فهذه صديقة الأمة، وأم المؤمنين، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تعلم أنها بريئة مظلومة، وأن قاذفيها ظالمون مفترون عليها، قد بلغ أذاهم إلى أبويها، وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كان احتقارها لنفسها وتصغيرها لشأنها، فما ظنك بمن قد صام يوما أو يومين، أو شهرا أو شهرين، قد قام ليلة أو ليلتين، فظهر عليه شيء من الأحوال، ولاحظوا أنفسهم بعين استحقاق الكرامات، وأنهم ممن يتبرك بلقائهم، ويُغتنم بصالح دعائهم، وأنهم يجب على الناس احترامهم وتعظيمهم وتعزيزهم وتوقيرهم، فيتمسح بأثوابهم، ويقبل ثرى أعتابهم، وأنهم من الله بالمكانة التي تنتقم لهم لأجلها من تنقصهم في الحال، وأن يؤخذ من أساء الأدب عليهم من غير إمهال، وإن إساءة الأدب عليهم ذنب لا يكفره شيء إلا رضاهم.
ولو كان هذا من وراء كفاية لهان، ولكن من وراء تخلف، وهذه الحماقات والرعونات نتاج الجهل الصميم، والعقل غير المستقيم، فإن ذلك إنما يصدر من جاهل معجب بنفسه، غافل عن جرمه وعيوبه وذنوبه، مغتر بإمهال الله له عن أخذه بما هو فيه من الكبر والازدراء على من لعله عند الله خير منه. نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة. وينبغي للعبد أن يستعيذ بالله أن يكون عند نفسه عظيما، وهو عند الله حقير، ومن خصائص عائشة، رضي الله عنها: أن الأكابر من الصحابة، رضي الله عنهم، كان إذا أشكل الأمر عليهم من الدين، استفتوها فيجدون علمه عندها.
ومن خصائصها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتها. ومن خصائصها: أن الملك أرى صورتها للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوجها في خرقة حرير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن يكن هذا من عند الله يمضه». ومن خصائصها: أن الناس كانوا يتحرون هداياهم يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم تقربًا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فيتحفونه بما يحب في منزل أحب نسائه إليه، رضي الله عنهم أجمعين، وتكنى أم عبد الله، وروي أنها أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم سقطًا، ولا يثبت ذلك.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب، وكانت قبله عند حبيش بن حذافة، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وممن شهد بدرا، توفيت سنة سبع، وقيل: ثمان وعشرين، ومن خواصها: ما ذكره الحافظ أبو محمد المقدسي في مختصره في السيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلقها، فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة، فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة.
وقال الطبراني في المعجم الكبير: حدثنا أحمد بن طاهر بن حرملة بن يحيى، حدثنا جدي حرملة، حدثنا ابن وهب، حدثنا عمرو بن صالح الحضرمي، عن موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فوضع التراب على رأسه، وقال: ما يعبأ الله بابن الخطاب بعد هذا. فنزل جبريل، عليه السلام، على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، واسمها رملة بنت صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، هاجرت مع زوجها عبد الله بن جحش إلى أرض الحبشة، فتنصر بالحبشة، وأتم الله لها الإسلام، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بأرض الحبشة، وأصدقها عند النجاشي أربعمائة دينار، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري بها إلى أرض الحبشة، وولى نكاحها عثمان بن عفان، وقيل: خالد بن سعيد بن العاص، وهي التي أكرمت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس عليه أبوها لما قدم أبو سفيان المدينة، وقالت له: إنك مشرك، ومنعته الجلوس عليه.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد، توفيت سنة اثنتين وستين، ودفنت بالبقيع، وهي آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم موتًا، وقيل: بل ميمونة، ومن خصائصها: أن جبريل دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهي عنده فرأته في صورة دحية الكلبي. ففي صحيح مسلم عن أبي عثمان قال: أنبئت أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده أم سلمة، فقال: فجعل يتحدث، ثم قام فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: «من هذا؟» أو كما قال. قالت: هذا دحية الكلبي. قالت: وايم الله، ما حسبته إلا إياه، حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، يخبر أنه جبريل، أو كما قال، قال سليمان التيمي: فقلت لأبي عثمان: ممن سمعت هذا الحديث؟ قال: من أسامة بن زيد وزوَّجها ابنها- عمر- من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وردت طائفة ذلك بأن ابنها لم يكن له من السن حينئذ ما يعقد التزويج، ورد الإمام أحمد ذلك، وأنكر على من قاله، ويدل على صحة قول أحمد ما رواه مسلم في صحيحه أن عمر بن أبي سلمة- ابنها- سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم؟ فقال: سل هذه يعني: أم سلمة فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، فقال: لسنا كرسول الله صلى الله عليه وسلم، يحل الله لرسوله ما شاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أتقاكم لله وأعلمكم به» أو كما قال. ومثل هذا لا يقال لصغير جدا، وعمر ولد بأرض الحبشة قبل الهجرة. وقال البيهقي: وقول من زعم أنه كان صغيرا، دعوى ولم يثبت صغره بإسناد صحيح.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش من بني خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وهي بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب، وكانت قبل عند مولاه زيد بن حارثة، فطلقها فزوجه الله إياها من فوق سبع سموات، وأنزل عليه: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ منْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} فقام فدخل عليها بلا استئذان، وكانت تفخر بذلك على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وتقول: زوَّجكن أهاليكن وزوَّجني الله من فوق سبع سمواته، وهذا من خصائصها. توفيت بالمدينة سنة عشرين، ودفنت بالبقيع.
وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة الهلالية، وكانت تحت عبد الله بن جحش، تزوجها سنة ثلاث من الهجرة، وكانت تسمى أم المساكين، ولم تلبث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يسيرا، شهرين أو ثلاثة، وتوفيت، رضي الله عنها.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث من بني المصطلق، وكانت سبيت في غزوة بني المصطلق، فوقعت في سهم ثابت بن قيس، فكاتبها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها، وتزوجها سنة ست من الهجرة، وتوفيت سنة ست وخمسين، وهي التي أعتق المسلمون بسببها مائة أهل بيت من الرقيق، وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك من بركتها على قومها.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي، من ولد هارون بن عمران أخي موسى، سنة سبع، فإنها سبيت من خيبر، وكانت قبله تحت كنانة بن أبي الحقيق، فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفيت سنة ست وثلاثين، وقيل: سنة خمسين. ومن خصائصها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها وجعل عتقها صداقها. قال أنس: أمهرها نفسها، وصار ذلك سنة للأمة إلى يوم القيامة، ويجوز للرجل أن يجعل عتق جاريته صداقها، وتصير زوجته على منصوص الإمام أحمد، رحمه الله. قال الترمذي: حدثنا إسحاق بن منصور، وعبد بن حميد، قالا حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن ثابت، عن أنس قال: بلغ صفية أن حفصة قالت: صفية بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال: «ما يبكيك؟» قالت: قالت لي حفصة: إني ابنة يهودي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك لابنة نبي وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي، فبما تفخر عليك؟» ثم قال: «اتق الله يا حفصة». قال الترمذى: هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه. وهذا من خصائصها، رضي الله عنها.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث الهلالية، تزوجها بسَرَف وهو على تسعة أميال من مكة، وهي آخر من تزوج من أمهات المؤمنين، توفيت سنه ثلاث وستين، وهي خالة خالد بن الوليد، وخالة ابن عباس، فإن أمه أم الفضل بنت الحارث وهي التي اختلف في نكاح النبي صلى الله عليه وسلم لها. هل نكحها حلالا أو مُحرمًا؟ والصحيح إنما تزوجها حلالا كما قال أبو رافع الشفير في نكاحها.
قال الحافظ أبو محمد المقدسي وغيره: وعقد على سبع ولم يدخل بهن، فالصلاة على أزواجه تابعة لاحترامهن وتحريمهن على الأمة، وأنهن نساؤه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، فمن فارقها في حياتها ولم يدخل، لا يثبت لها أحكام زوجاته اللاتي دخل بهن صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وذريته وسلم تسليما. اهـ.

.قال أبو السعود:

{يا أيها النبى قُل لأزواجك إن كُنتُنَّ تُردْنَ الحياة الدنيا} أي السَّعةَ والتَّنعمَ فيها {وَزينَتَهَا} وزخارفَها {فَتَعَالَيْنَ} أي أقبلنَ بإرادتكن واختياركن لإحدى الخصلتين كما يُقال: أقبل يُخاصمني وذهبَ يُكلّمني وقامَ يُهددني {أُمَتّعْكُنَّ} بالجزم جوابًا للأمر وكذا {وَأُسَرّحْكُنَّ} أي أعطيكنَّ المتعةَ وأطلقنَّ {سَرَاحًا جَميلًا} طلاقًا من غير ضرارٍ. وقُرئ بالرَّفع على الاستئناف. رُوي أنهنَّ سألنَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ثيابَ الزّينة وزيادةَ النَّفقة فنزلتْ فبدأَ بعائشةَ فخيَّرها فاختارتْ الله ورسولَه والدَّارَ الآخرةَ ثمَّ اختارت الباقياتُ اختيارَها فشكرَ لهنَّ الله ذلكَ فنزلَ:
{لاَّ يَحلُّ لَكَ النساء من بَعْدُ} واختُلف في أنَّ هذا التخييرَ هل كان تفويض الطَّلاق إليهنَّ حتَّى يقعَ الطَّلاقُ بنفس الاختيار أو لا. فذهبَ الحسنُ وقَتَادةُ وأكثرُ أهل العلم إلى أنَّه لم يكُن تفويضَ الطَّلاق وإنَّما كانَ تخييرًا لهنَّ بينَ الإرادتين على أنهنَّ إنْ أردنَ الدُّنيا فارقهنَّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كما يُنبىء عنه قولُه تعالى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ} وذهبَ آخرون إلى أنَّه كانَ تفويضًا للطَّلاق إليهنَّ حتَّى لو أنهنَّ اخترنَ أنفسهنَّ كان ذلك طلاقًا وكذا اختُلف في حكم التَّخيير فقال ابنُ عمرَ وابنُ مسعودٍ وابنُ عبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهم: إذَا خيَّر رجلٌ امرأتَه فاختارتْ زوجَها لا يقعُ شيءٌ أصلًا ولو اختارتْ نفسَها وقعتْ طلقةً بائنةً عندنا ورجعيَّةً عند الشَّافعيّ، وهو قولُ عمرَ بن عبد العزيز وابن أبي لَيْلَى وسفيانَ، ورُوي عن زيد بن ثابتٍ أنَّها إن اختارتْ زوجَها يقعُ طلقةً واحدةً وإن اختارتْ نفسَها يقعُ ثلاثَ طَلَقاتٍ وهو قولُ الحسن وروايةٌ عن مالكٍ. ورُوي عن عليَ رضي الله عنه أنَّها إن اختارتْ نفسَها فواحدةٌ بائنةٌ ورُوي عنه أيضًا أنها إن اختارتْ زوجَها لا يقعُ شيءٌ أصلًا، وعليه إجماعُ فقهاء الأمصار. وقد رُوي عن عائشةَ رضي الله عنها: خيَّرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاخترنَاهُ ولم يعدَّه طلاقًا. وتقديمُ التَّمتيع على التَّسريح من باب الكرم وفيه قطعٌ لمعاذيرهنَّ من أول الأمر. والمتعةُ في المطلقة التي لم يُدخل بها ولم يُفرض لها صَداقٌ عند العقد واجبةٌ عندَنا وفيما عداهنَّ مستحبَّةٌ وهي درعٌ وخمارٌ وملحفةٌ بحسب السَّعة والإقتار إلا أنْ يكونَ نصفُ مهرها أقلَّ من ذلكَ فحينئذٍ يجبُ لها الأقلُّ منهُما ولا ينقصُ عن خمسة دراهمٍ.
{وَإن كُنتُنَّ تُردْنَ الله وَرَسُولَهُ} أي تردنَ رسولَه وذكرُ الله عزَّ وجلَّ للإيذان بجلالة محلّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عندَه تعالى: {والدار الآخرة} أي نعيمَها الذي لا قدرَ عندَه للدُّنيا وما فيها جميعًا {فَإنَّ الله أَعَدَّ للمحسنات منكُنَّ} بمقابلة إحسانهن {أَجْرًا عَظيمًا} لا يُقادر قَدرُه ولا يُبلغ غايتُه. ومن للتَّبيين لأنَّ كلَّهن محسناتٌ وتجريدُ الشَّرطية الأُولى عن الوعيد للمبالغة في تحقيق معنى التَّخيير والاحتراز عن شائبة الإكراه وهو السرُّ فيما ذُكر من تقديم التَّمتيع على التَّسريح وفي وصف السَّراح بالجميل.
{يا نساء النبى} تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ له إليهنَّ لإظهار الاعتناء بنُصحهنَّ، ونداؤهن هاهنا وفيما بعدَه بالإضافة إليه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لأنَّها التي يدورُ عليها ما يردُ عليهنَّ من الأحكام {مَن يَأْت منكُنَّ بفاحشة} بكبيرةٍ {مُّبَيّنَةٍ} ظاهرة القُبح من بين بمعنى تبين وقُرئ بفتح الياء والمرادُ بها كلُّ ما اقترفنَ من الكبائر وقيل: هي عصيانُهنَّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونشوزهنَّ وطلبهنَّ منه ما يشقُّ عليه أو ما يضيق به ذرعُه ويغتمُّ لأجله. وقُرئ تأت بالفوقانيَّة {يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضعْفَيْن} أي يعذبنَّ ضعفي عذاب غيرهنَّ أي مثليه لأنَّ الذنبَ منهنَّ أقبحُ فإنَّ زيادةَ قُبحه تابعةٌ لزيادة فضل المذنب والنّعمة عليه ولذلك جُعل حدُّ الحرّ ضعفَ حدّ الرَّقيق وعُوتب الأنبياءُ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ بما لا يُعاتب به الأممُ. وقُرئ يُضعَّف على البناء للمفعول ويُضاعف ونُضعّف بنون العظمة على البناء للفاعل ونَصب العذاب {وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسيرًا} لا يمنعُه من التَّضعيف كونُهنَّ نساءَ النبيّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بل يدعُوه إليه لمراعاة حقّه. اهـ.

.قال الألوسي:

{يَا أَيُّهَا النَّبيُّ قُلْ لأَزْوَاجكَ إنْ كُنْتُنَّ تُردْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي السعة والتنعم فيها {وَزينَتَهَا} أي زخرفها وهو تخصيص بعد تعميم {فَتَعَالَيْنَ} أي أقبلن بإرادتكن واختياركن لإحدى الخصلتين كما يقال أقبل يخاصمني وذهب يكلمني وقام يهددني، واصل تعالى أمر بالصعود لمكان عال ثم غلب في الأمر بالمجىء مطلقًا والمراد به هاهنا ما سمعت، وقال الراغب: قال بعضهم إن أصله من العلو وهو ارتفاع المنزلة فكأنه دعاء إلى ما فيه رفعة كقولك: افعل كذا غير صاغر تشريفًا للمقول له، وهذا المعنى غير مراد هنا كما لا يخفى {أُمَتّعْكُنَّ} أي اعطكن متعة الطلاق، والمتعة للمطلقة التي لم يدخل بها ولم يفرض لها في العقد واجبة عند الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وأصحابه، ولسائر المطلقات مستحبة، وعن الزهري متعتان إحداهما يقضي بها السلطان ويجبر عليها من طلق قبل أن يفرض ويدخل بها والثانية حق على المتقين من طلق بعدما فرض ودخل.